Between the symbol of the soul and mysticism of the body Article by DR Ahmed Orabi, only in arabic
صبري منصور بين رمز الروح وتصوف الجسد
محمد عرابي
فنان تشكيلي وباحث مصري في الفنون الجميلة
يقدم ” صبري منصور” في أعماله الفنية عبر مسيرته مع فن التصوير المصري نمطاً فريداً من الرمزية، وذلك بابتكار أجواء غامضة قادمة من عالم الروح لتجسيد أفكار ومشاعر مجردة عن الوجود الإنساني وتصوراته للكون والعوالم الخفية، حيث تسطع كل الأشكال بنورانية الروح التي تسمح للإنسان بالحدس لتخطي حدود المظهر المرئي للكون والطبيعة .
وتظهر ملامح الرؤيا الرمزية لديه منذ بداياته الأولي في فن التصوير، ففي لوحة “الزار” والتي رسمها 1964، حيث تمثل تجسيداً لموضوع قد شغل حيزاً مهماً في فكر ووجدان كثير من الفنانين المصريين، بدءاً من “محمود سعيد” ومروراً “بالجزار” “ندا” و”الزيني” وغيرهم فقد اهتم هؤلاء الفنانون بتصوير المظاهر الحركية والحسية في طقس “الزار” إلا أن “صبري منصور” يقدم رؤيا شديدة الخصوصية لهذا الموضوع، وهي تصوير الجانب الروحي منه، فعند النظر إلي هذا الشكل نجد امرأتين جالستين في حالة من السكون والصمت، ويأتي من الأفق اللانهائي قط يتسلل بشكله الإنساني وملامحه الخافتة، وكأنه روح أتت من عالم غيبي لتراقب عن بعد هاتين السيدتين، وتبدو السيدتان متواصلتين أو قادمتين من هذا العالم الماورائي، بيد أن المشهد كله بعلاقته الفنية، يعكس حالة من الصمت والغموض المثيرين للخيال والتأمل التساؤل عما تحتويه هذه العناصر من معان وأسرار.
وعلي الرغم من أن معالجة الشكل الفني تبدو واقعية، أي مبنية علي قواعد أكاديمية، حيث المنظور والتجسيم… إلخ، إذ نري الفنان معنياً بمحاكاة النسب الطبيعية للشكل الآدمي، والتجسيم والتأثيرات المكانية للمنظور، للإيهام بالبعد الثالث، إلا أن رغبته في التعبير عن ذلك الجانب الغامض والمعنوي الكامن في الدوافع الاعتقادية وراء طقس “الزار” – حيث الاتصال بعالم الأرواح المجرد قادته لتطويع كل أدواته الفنية للإيحاء بهذه الفكرة وتأكيدها، إذا نراه يخبئ وجه السيدة التي تأتي بمقدمة الصورة بشعرها الذي يظهر كثيفاً ليغطي الوجه تماماً، ولعل هذا ما يقودنا إلي مزيد من الغموض، مما يجعل الرأي دائماً في شوق وتطلع إلي التعرف علي هذه الشخصية، ويتأكد هذا الإحساس عندما يري السيدة الثانية ( التي تأتي بالمستوي الثاني في عمق الصورة) تظهر ملفوفة بردائها الأبيض، ولا تظهر منها سوي كفها اليمني، وتبدو وكأنها في حالة من التغييب عن العالم الخفي أو تلك القوة الخفية الكامنة في نفس وخيال البسطاء. فهذه العناصرا لواقعية التي تظهر في الصورة ما هي إلا مدخل للتعبير عن الفكرة، إذ تأخذ معاني ودلالات رمزية أخري غير دلالتها الواقعية. صبري منصور بين رمز الروح وتصوف الجسد





